کد مطلب:286782 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:263

فی الکلام علی أصل الحدیث و بیان درجته
إعلم ـ هدانا الله وإیّاك إلی صراطه المستقیم ومنهجه القویمِ ـ أنّ الجهابذة النقّاد من أئمّة الحدیث لم یعتمدوا علی هذا الحدیث المنحول إلی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ولم یقیموا له وزناً، بل أجمعوا علی ضعفه، وأطبقوا علی تركه ـ وإنْ تأوّله بعضهم بما لا ینجع ـ فذِكره مُغنٍ عن بیان رتبته وحاله، لكن لا بأس بإیراد طرفٍ من كلامهم فیه.

قال أبو بكر بن زیاد: هذا الحدیث غریب.

وقال القرطبی فی التذكرة وكذا الطیبی ـ كما فی المرقاة ـ: الاَحادیث عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی التنصیص علی خروج المهدیّ من عترته من وُلْد فاطمة، ثابتةٌ أصحّ من هذا الحدیث، فالحكم لها دونه. [1] انتهی.

وقال العلاّمة الحافظ شمس الدین الذهبی بترجمة محمّـد بن خالد الجَنَدیّ من میزان الاعتدال: فی حدیثه «لا مهدیّ إلاّ عیسی بن مریم» وهو خـبر منكـر أخرجـه ابـن ماجـة، ووقع لنا موافقةً من حدیث یونس بن عبـد الاَعلی ـ وهو ثقة ـ تفرّد به عن الشافعی، فقال فی روایتنا: «عن» هكذا بلفظ «عن الشافعی» [2] .

وقال فی جزءٍ عتیق بمرّة عندی من حدیث یونس بن عبد الاَعلی



[ صفحه 13]



قال: «حُدِّثْتُ عن الشافعی» فهو علی هذا منقطع.

علی أنّ جماعة رووه عن یونس، قال: «حدّثنا الشافعیّ» والصحیح أنّه لم یسمعه منه.

قال: وأبان بن صالح صدوق وما علمت به بأساً، لكن قیل: إنّه لم یسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح فی أمالیه.

وذكر الشیخ تقیّ الدین ابن تیّمیّة فی منهاج السُنّة: أنّ هذا الحدیث ضعیف [3] .

قال: وقد اعتمد أبو محمّـد ابن الولید البغدادی وغیره علیه، ولیس ممّا یُعتَمد علیه، ورواه ابن ماجة، عن یونس، عن الشافعی، والشافعی رواه عن رجلٍ من أهل الیمن یقال له محمّـد بن خالد الجَنَدیّ، وهو ممّن لا یُحتجّ به، ولیس فی مسند الشافعی، وقد قیل: إنّ الشافعی لم یسمعه من الجَنَدیّ، وإنّ یونس لم یسمعه من الشافعی. انتهی.

وقال ابن قیّم الجوزیّة فی كتابه المنار المنیف فی الصحیح والضعیف: قد اختلف الناس فی المهدیّ علی أربعة أقوال:

أحدها: أنّه المسیح بن مریم، وهو المهدیّ علی الحقیقة، واحتجّ أصحاب هذا بحدیث محمّـد بن خالد الجَنَدی المتقدّم، وقد بیّنّا حاله وأنّه لا یصحّ [4] .

وقال الاِمام الصغانی: موضوع، كما فی الفوائد المجموعة



[ صفحه 14]



للشوكانیّ [5] .

وقال القاری فی مرقاة المفاتیح: إعلم أنّ حدیث «لا مهدیّ إلاّ عیسی ابن مریم» ضعیف باتّفاق المحدِّثین كما صرَّح به الجزریّ [6] .

هذا، وجزم الاِمام المحدِّث العلاّمة أبو الفیض شهاب الدین أحمد بن الصدّیق الحسنیّ الغُماریّ المغربیّ فی كتابه القیّم الموسوم بـ: إبراز الوهم المكنون بأنّ الحدیث باطل موضوع، مختلَق مصنوع، لا أصل له من كلام النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم، ولا من كلام أنس، ولا من كلام الحسن البصری [7] .

ثمّ خاض فی تبیین ذلك وإیضاحه من ثمانیة وجوهٍ، استوفی فیها الكلام علی هذا الحدیث بأطرافه، بما لم یتكلّم فیه أحد بمثله، ولا تجده فی كـتاب كـما صرّح هو بذلك، وحقٌّ ما قال وقد مرّ بیان بعضها، فلنذكر ما بقی منها، وهو وجهان:

الاَوّل: أنّ ممّا یدلّ علی بطلان هذا الخبر معارضته للمتواتر المفید للقطع، فقد قرّر علماء الاَُصول أنّ من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنصّ القطعیّ علی وجهٍ لا یمكن الجمع بینهما بحالٍ.

وقد ذكروا للجمع بین هذا الخبر وبین أحادیث المهدیّ أوجهاً ذكر بعضَها الطاعنُ ]یعنی ابن خلدون[ وبعضَها غیرهُ كالقرطبیّ فی التذكرة [8] .



[ صفحه 15]



والآبیّ فی شرح مسلم، وابن حجر الهیتمیّ فی الصواعق المحرقة [9] وصاحب ینابیع المودّة وغیرهم، وكلّها بعیدة لا حاجة تلجئ إلیها مع بطلان الخبر، إذ لا تعارض بین متواتر وباطل. [10] انتهی.

قلت:

وقد عقدنا الفصل الثالث لذِكر تلك الوجوه والجواب عنها تحذیراً للقاصر من الاغترار بها والركون إلیها، كما سیأتی قریباً إن شاء الله تعالی.

الثانی: أنّ ممّا یوجب القطع ببطلانه أیضاً كون ذكر المهدیّ وخبره لم یرد إلاّ من جهة الشارع، فكیف یخبر بأمر أنّه سیقع ـ وهو الصادق الذی لا ینطق عن الهوی ـ ثمّ ینفیه؟!

والاَخبار لا یتصوّر وقوعها علی خلاف ما أخبر به الصادق، ونفی المهدیّ یلزم منه وقوع الخبر علی خلاف ما أخبر به أوّلاً من وجوده، واللازم باطل، وهذا ممّا قرّروا به أنّ النسخ لا یدخل الاَخبار التی هی من هذا القبیل، وهذا متّفق علیه بین علماء الاَُصول.

قال الزركشی: إنْ كان مدلول الخبر ممّا لا یمكن تغیّره، بأن لا یقع إلاّ علی وجه واحد كصفات الله تعالی وخبر ما كان من الاَنبیاء والاَُمم وما یكون من الساعة وآیاتها كخـروج الدجّـال، فلا یـجوز نسـخه بالاتّفاق كما قاله أبو إسحاق المروزی وابن برهان فی الاَوسط؛ لاَنّه یفضی إلی الكذب.



[ صفحه 16]



قال ابن الصدّیق: والعجب ممّن أورد هذا الحدیث من العلماء وأجاب عنه بأنواعٍ من طرق الجمع بین مختلف الآثار، كیف خفی علیه بطلانه من جهة ما قرّرناه إن خفی علیه ذلك من جهة الاِسناد وما فیه من العلل الظاهرة والخفیّة؟! فإنّ العقل قاطع ببطلانه كما عرفت ممّا قرّرناه لك [11] .

وإذا أمعن المنصف فی كلام هذا الاِمام البحر العلم، لَعَلِم أنّه نطق بالحقّ وآثر الصدق، كیف لا؟! وهو الخبیر الخرّیت فی هذا العلم الشریف (ولا یُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبیر) [12] .

وقد حذا شیخ الاَزهر الشیخ محمّـد الخضر حسین المغـربی حذو هذا الاِمام فقال [13] : هذا حدیث موضوع؛ ثمّ أورد كلام الحاكم وابن عبد البرّ والاَزدی فی الجَنَدی المذكور وقال: آخُذُ فی مثل هذا بقول ابن حزم: إذا كان فی سند الحدیث رجل مجروح بكذب أو غفلة أو مجهول الحال لا یحلّ عندنا القول به، ولا تصدیقه، ولا الاَخذ بشیءٍ منه.



[ صفحه 17]




[1] التذكرة في أحوال الموتي وأُمور الآخرة 2: 617، مرقاة المفاتيح ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 475 ـ 5: 186.

[2] ميزان الاعتدال 3: 535.

[3] منهاج السُنّة 4: 211.

[4] المـنار المـنيف في الصـحيح والضـعيف ـ المطـبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي 7 عند أهل السُنّة 1: 289 ـ 148.

[5] الفوائد المجموعة: 510 ـ 511.

[6] مرقاة المفاتيح ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 457 ـ 5: 186.

[7] إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2: 376 ـ 584.

[8] التذكرة: 617.

[9] الصواعق المحرقة: 251.

[10] إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطـبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 380 ـ 558.

[11] انظر: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 380 ـ 381 ـ: 588 ـ 589.

[12] سورة فاطر 35: 14.

[13] في مقال تحت عنوان «نظرة في أحاديث المهدي»، مجلّة الهداية الاِسلاميّة (المحرّم سنة 1369) ومجلّة التمدّن الاَسلامي ـ المطبوعة ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 213 ـ: الجزء 35 ـ 36 من المجلّد 16.